أيدي تبتكر

17 يوليو 2025

الحِرفة حكاية شعوب... تُروى بتقاليد حيّة وتُنسج بذاكرة الأجيال

جسر بين الأزمان

هل تساءلت يومًا، لماذا تُعتبر الحرف اليدوية من أهم الجسور التي تربط بين ماضينا وحاضرنا؟ إنها ليست مجرد صناعات يدوية، بل هي مرآة تعكس تراث المجتمع وتقاليده، وتحكي قصص الأجداد الذين سكنوا في بلادنا وتركوا بصماتهم في كل قطعة صنعوها. فالحرف، تحمل تاريخًا حيًا، وتقود طريقًا لمستقبلٍ يثمر ويزهر بعبق الماضي الأصيل.

‎  وبما أن العالم أصبح يتغير على مدار الدقيقة، يبرز سؤال مهم: كيف يمكن للحرف أن تحافظ على مكانتها، وهويتها الثقافية في زمننا السريع؟ قد يقتصر البعض النظر للحرف اليدوية على أنها مجرد مهارة، لكنها في الحقيقة تراث ثقافي يعكس الترابط و الانتماء والفخر تتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل، خاصة في زمن الحداثة والابتكارات المعاصرة التي همشت أصول وتقاليد ومجتمعات عدة. 


حيث تُروى الحِرف

‎  نرى في مملكتنا الحبيبة السعودية روعة التراث في العديد من الحرف التقليدية في جماليات عدة. من الخياطة اليدوية، إلى صناعة السدو، والفخار، والنقش على الخشب، والحياكة، وفي هذه الحرف نستطيع أن نرى عبقرية الحرفيين وارتباطهم العميق بشعوبهم وثقافتهم. على سبيل المثال: السدو هو أحد أشهر الفنون الحرفية في الثقافة العربية، وتحديدا في السعودية، حيث يعكس جزءا مهما من التراث البدوي. لا تزال حرفة السدو التقليدية حية في ربوع المملكة العربية السعودية، ليس في عمق البادية حيث نشأ هذا الفن فحسب، بل أيضا في المدن والبيوت والفعاليات والمعارض. السدو موروث شعبي ورمز ثقافي وحضاري يجسد تميز الابتكارات الإنسانية في المملكة والجزيرة العربية، وسجلت في عام 2020 “حياكة السدو” ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة في الأمم المتحدة وبذلك تُعتبر الحرف السعودية جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية، وشاهداً حيًا على عمق التاريخ، وغنى الثقافة، وعبقرية الإنسان في هذه الأرض. فهي ليست مجرد موروث نعتز به، بل لغة بصرية تحكي حكاياتنا وتربط أجيالنا بجذورها.


تقاطع الحِرفة والفن

‎عندما نتحدث عن الفرق بين الحِرفة والفن، يمكننا ان نقول ان الحرَف تمثل مهارة تقنية تنتج منتجا معينا، بينما الفن يحمل طابعا إبداعيا ويعبر عن مشاعر وأفكار فنانها. في سياق المقارنة: الحرفة قد تكون معيارا للمهارة والخبرة، على عكس الفن فهو يميل للتعبير عن الروح والإحساس، وفي كثير من الأحيان، ، يتداخل الفن مع الحرفة، ويثمر هذا التلاقي عن أعمال تراثية تجمع بين الإبداع والدقة الحرفية."


حين تتحول الحِرفة إلى حراك ثقافي

‎فإن في الحرف قصص للحرفيين المعاصرين الذين ابتكروا حرفهم بشخصياتهم، مثل أحمد عنقاوي، الذي استطاع أن يدمج بين الأصالة والابتكار. فبدلا من أن يقتصر عمله على الحرفة التقليدية، قام بتطوير تصاميم حديثة وجذابة، وساهم في جذب جيل الشباب وتحفيزهم على الاهتمام بالحفاظ على تراثهم. فهو أحد مؤسسي "الهنجر"، وهو حراك ثقافي للفنانين كون من خلاله منبرًا للحوار حيث التبادل الثقافي يكمن عن طريق المعارض والمشاريع المجتمعية والبرامج التعليمية.


 ‎وأخيرا، لا يمكننا أن ننسى الدور الاجتماعي للحرف، فهي ليست مجرد مصدر للرزق، بل وسيلة لجمع وربط الأشخاص في ثقافة مشتركة. فهي تجمع بين الأجيال فبمساهمة الأجيال الأكبر سناً تتوسع مدارك الشباب اليافعين وتُبنى علاقة تصل بين أصولهم وشغفهم لترك بصمتهم الخاصة في المجتمع. 


 الحِرف لا تقتصر على تطور الأدوات والآليات، بل تجسد عبقرية الإنسان في مزيج من الابتكار والمشاعر، ومن تراث حيّ نخلّد به قصصنا واصولنا، ونحكي من خلاله هويتنا ومن نكون.



كتابة: مريم قاري

تحرير: مَجْلِس

مقالات مشابهه

حقيقــة الغضــب

هل الغضب مُشكلة أم ضرورة؟

مواسم الطَرح و الانفصال

لماذا تتساقط أوراق الأشجار في الخريف؟

تَفطُنٌ وحِراك

يتضح أن أدق وصف يُمكن استخدامه لتوسيع فهمنا لمصطلح الثقافة وعملية التثقف هو أنها: عملية تَفطُّن وحِراك.. توثيقي حيّ ومتف...